ويستمر فرعون في نكاله لمخالفيه لكن هذه المرة مع زوجته (آسية بنت مزاحم) التي قالت في يوم ما عن موسى عليه السلام حين كان رضيعا ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9] وهي تنظر بعينها إلى جريمته في حق الماشطة المؤمنة التي آثرت الباقية على الفانية والدائمة على المنقطعة والخالدة على الزائلة، فقامت على فرعون وهي تقول: ما أجرأك على الله!! ليرد فرعون قائلا: أوَ لك رب سواي؟ لأعذبنك كما عذبت الماشطة حتى تعودي إلى رشدك، فوضع لها الأوتاد على الأرض وربط كل طرف من تلك الأوتاد بعضو من أعضائها ليسحبها ويمزق جسدها وهي تقول بلسانها: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11] وتقول بلسان حالها: "اقض ما أنت قاض"، فيكشف الله لها الحجاب لترى ملائكة الرحمن وهي تبني لها في الجنة ذلك البيت الموعود لبنة لبنة وهي بجوار ملك الملوك، فتضحك وتتبسم، وفرعون على رأسها يخاطب جنده وأعوانه يقول: انظروا إلى هذه المجنونة نعذبها وهي تضحك!

القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة طه - الآية 72

إن كان لك قاضٍ مثله قد سكنك من حيث علمتَ أم لم تعلم فاقتله في مهده قبل أن يكبر، فإن لم تفعل فعزائي لكَ، فقد مات السلام فيكَ موتةً لا نشور لها من بعد، فمن مثل هذا تُطلق الأحكام جزافاً على غيرك، ومن مثل هذا تولد صراعاتك مع نفسك وتخاصمك الدائم معها وإحجامك عن عقد الصلح. لكي ترقع الفتق في ثوب نفسك، عليكَ أن تقبل الفتق أولاً، اقبل ضعفك وانكساراتك، وهزائمك وزلاتك، ونقصك ومخاوفك، ارمِ بذكريات الأسى والقهر عبر النافذة، واحمل قهرك وآلامك على جنح الريح فتأخذها عنك مكانًا قصيًا، اقبلها وستتوقف عن تصنيف الناس وإخضاعهم لأحكامك، والبحث عن أشباهك ونظائرك، فالناس ليسوا مرآتك، ولم يُخلق الكون على مبدأ التسوية أبداً، قد فعلها غيرك قبل ملايين السنين من ولادتك ولم يفلح، ناقشَ الله على مفاضلة الطين والنار فتوعده بالنار واندحر مهزوماً، أما على سبيل الطينة والطينة فلكَ أن تعد الاختلاف ولن تحصيه، ولكَ أن تلهث وراء النظير ولن تبلغه، فأنتَ تلهث وراء ما يخالف الفطرة، فطرة الاختلاف.

{ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا، ينقضي ويزول ولا يضرنا، بخلاف عذاب الله، لمن استمر على كفره، فإنه دائم عظيم. وهذا كأنه جواب منهم لقوله: { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} وفي هذا الكلام، من السحرة، دليل على أنه ينبغي للعاقل، أن يوازن بين لذات الدنيا، ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.